الجمعة، 16 يوليو 2021

اسمي خان مع رفيق الصبان

بقلم: رشا ماهر البدري 
 بالمسرح المكشوف في دار الأوبرا المصرية، تتم عروض أسبوعية جديدة من نوعها لأهم الأفلام العالمية تحت اسم: "نادي السينما"، يقدمها لنا الدكتور الناقد رفيق الصبان. ذهبت وصديقتي الثلاثاء الماضي -20/7/2010- لمشاهدة عرض الفيلم الهندي الشهير "اسمي خان" لملك الأفلام الهندية، نجم بوليوود "شاه روخان Shahrukh Khan" وقد دعت صديقتي صديقًا لنا؛ حتى نودعه قبل سفره خارج مصر. في تمام الساعة الثامنة إلا ربع دخل د.رفيق الصبان القاعة في تواضع جم، وتصفيق كل الحضور للترحيب به. 
 مكث على مقعده وأخذ الميكرفون ليرحب بنا قائلًا: أهلًا بكم أعزائي الحضور، يسعدني أن أقدم لكم اليوم الفيلم الهندي الذي حقق نجاح هائل على مستوى العالم، ونجاح عظيم على مستوى مصر، فقد ظل يعرض لمدة 4: 5 أسابيع متواصلة في دور عرض مختلفة بأرجاء الجمهورية. وأؤكد لكم أن هذا العمل يختلف كثيرًا عما عاهدناه في الأفلام الهندية، والتي كانت تعتمد على كثرة الأغاني الراقصة وخاصة في منتصف الثمانينات. الفيلم يحكي عن شاب هندي مسلم اسمه "رضوان خان" يعاني من مرض "التوحد"، يعيش بأمريكا ويُقتل ابنه بعد أحداث 11 سبتمبر. الفيلم اجتماعي سياسي إنساني من الدرجة الأولى، وأرجو ألا ينصرف أحد قبل انتهاء الفيلم، وأعدكم أنكم لن تشعروا بمرور الوقت؛ فإيقاع الفيلم سريع وشيق جدًا. كما أود أن أنبهكم بموعد عرض فيلمنا الأخير لهذا الشهر في الثلاثاء القادم، الفيلم الفرنسي "مرحبًا" وهو انتاج فرنسي وعنوانه بالانجليزية "Welcome" والترجمة ستكون إنجليزية فقط. يحكي هذا الفيلم الفرنسي عن الهجرة غير الشرعية لشاب يحاول أن يصل لحبيبته التي يرغب أهلها بتزويجها من غيره. سوف تندهشون كثيرًا حينما تعلمون أن فرنسا (بلد الحرية) ينص قانونها على أن المواطن الفرنسي الذي يساعد مهاجر غير شرعي أو حتى يتحدث معه، يقدم للمحاكمة. والحقيقة أن هذا الفيلم الذي أنتج عام 2009 قد أجبر السلطات الفرنسية على تغيير القانون الذي يعاقب كل من يمد المساعدة للمهاجريين غير الشرعيين، وحقق نجاح ساحق. أتمنى أن تحظوا بالسعادة، وسيكون نادي السينما معكم أيضًا في شهر أغسطس الذي سيوافق شهر رمضان الكريم، لكن برنامج العروض لم يطبع بعد.
 أخذ د.رفيق وضع المشاهدة بمقعده أمامنا تجاه شاشة السينما، وإنطفأت الأضواء ليبدأ العرض. قد كان مقعدي بين صديقتي وصديقي، ولأني كنت قد شاهدت هذا الفيلم 4 مرات، وقرأت عنه كثيرًا في الصحف والمجلات بأقلام نقدية سينمائية أعلمها جيدًا منهم: د.ماجدة خيرالله وأمينة النقاش وبالطبع د.رفيق الصبان، فقد ثارت دهشتي حينما مكث معنا د. رفيق لمشاهدة الفيلم، وكأنه يراه للمرة الأولى! أخذت وضعي في مقعدي استعدادًا للمشاهدة، وتأخرت بالمقعد قليلًا عن الصف للوراء؛ كي أتمكن من رؤية صديقاي حين مشاهدتهم للفيلم. كنت أراقب الحضور في بداية العرض حتى جاء مشهد "رضوانة خان" وهى تعلم ابنها رضوان –بحكمة وحنو أم- الفرق بين بني البشر، فترسم له بورقة هيئة شخص يعطي لآخر قطعة حلوى، وتسأله هذا الفعل خير أم شر، فيجاوب الابن: خير. ثم ترسم نفس الشخص يضرب الآخر بعصا، وتسأله هذا خير أم شر، فيجاوب: شـر. ثم تسأله من منهم الهندوسي ومن المسلم، فيحتار الابن ولا يجيب. تُربت على كتفه قائلة: يا رضوان إن الله خلق الخير والشر، والفرق بين الإنسان وأخيه الإنسان يكون هكذا، من يعمل الصالح الذي يفيد به الناس ويساعدهم يكون خيّرًا، ومن يفس ويعمل أعمالا سيئة تؤذي الناس يكون شريرًا.. فهمت؟ فيهز رضوان رأسه، ثم يردد ما قالته الأم. بدأت عينتا صديقتي تقطر حينما ألحت رضوانة وتحايلت على معلم ليس لديه عمل، كي يعلم صغيرها المتوحد الذكي الذي يتحدث الإنجليزية بطلاقة، وانهمرت دموعها حينما رأت رضوان يعاني من الصخب واللون الأصفر، وقسوة عدم قدرته على البكاء... وحينما أصر رضوان الزواج من مانديرا فأخذ ينقب عن مكان لم تشاهده من قبل في المنطقة حتى تتزوجه، إلى أن وجد لحظة بزوغ الشمس على المدينة كاملة في مشهد رائع.... وحينما قُتل سامي خان، ابن رضوان خان لزوجته الهندوسية مانديرا بعد أحداث 11 سبتمبر واشتعال نيران الغضب والعنصرية بأمريكا. كما شرع صديقي في البكاء حينما أخذت مانديرا –كاجول- في ترديد: لقد مات سامي في الساعة الثامنة مساء.. موعد الوفاء الثامنة مساءً. ويردد رضوان –شاروخان- إنا لله وإنا إليه راجعون... وصراخها وهى تلمس جروح وكدمات جثمان طفلها الصغير، ثم المشاجرة العنيفة المنهمرة الدموع والعويل، في ملعب كرة القدم –مكان مقتل سام- مع رضوان حتى تنتهي إلى أنها ستترك له البيت، فيجيبها بأنه بيتها وسيرحل هو عنه.. تُتمتم راضية حتى يلتفت رضوان لها ثانية في تردد.. مانديرا متى يمكن لي أن أعود إلى المنزل؟ لتنفعل ثانية وتقول: متى تعود إلى المنزل؟؟ ... متى تعود إلى المنزل؟ إن المدينة التي نقطن بها تحوي 30 ألف مواطن يكرهونك؛ لأنك مسلم وإرهابي. حينما تخبر الناس أن ابني سامي ليس إرهابيًا، حينما تُعلم أمريكا كلها أنك لست إرهابيًا وأن طفلي سامي ليس كذلك... متى تعود إلى المنزل (يشتد عنف وانفعال مانديرا/كاجول، وتزرف صديقتي دموعًا ساخنة) ما رأيك في أن تذهب إلى رئيس أمريكا وتقول له: اسمي خان وإني لست إرهابيًا، حينها ستعود إلى المنزل. يردد رضوان/شاروخان أذهب لرئيس أمريكا وأقول له: اسمي خان وإني لست إرهابيًا.. حينها سأعود إلى المنزل، حسنًا مانديرا. يسجل الأب/ رضوان في دفتره "اسمي خان وإني لست إرهابيًا"، ثم ينتعل حذاء ابنه ليرحل إلى البيت الأبيض لمقابلة الرئيس، ويُحدِّث زوجته أثناء ترحاله في الأتوبيس بتدوين ما يقول/ يشعر: حينما رحلت عنك مانديرا شعرت بألم شديد غريب في قلبي، إعتقدت أن السبب هو الغازات فتناولت شاي الثوم كي يذهب الألم، لكنه لم يذهب. شَرَعْتُ في افراغ عبوة المناديل حتى أُوقف الغيث، وألطف من صوت النحيب حينما قابل رضوان/شاروخان ماماﭼيني –سيدة سمراء بدينة- كي يُسلم لها ابنها الصغير الذي أصيب ليلًا أثناء لعبه بعجلته، فعلمت ماماﭼيني بقصة سام، وأخذت رضوان/الأب للكنيسة بمنطقتهم "ﭼورﭼيا" حتى يضعوا صورة سام بين الشهداء والمفقودين.... ثم الحديث عن ذويهم للإتصال الروحي معهم. أخذ رضوان/الأب في الحديث للحضور بالكنيسة عن فقيده سام قائلًا: "سمير راثوار خان" ابني.. وزنه 56كجم، وفيصلة دمه O+. أحب سمير أن يلعب ألعاب الفيديو وكرة القدم، كان يحب حذائه الخاص بكرة القدم حتى أنه يرتديه أثناء نومه، تلك كانت عادته السيئة. كان سمير ابنًا صالحًا لم يخجل أن يشاركنى حب والدته. ولكنّي.. لم أكن أبًا جيدًا؛ الآباء الآخرون يشعرون باحتياجات أبنائهم ويحققونها لهم، ولكني لا أشعر بما لا يُنطق، لهذا لم أحقق له أمنياته، ولكن سام لم يشتكِ أبدًا. ثمة عادة أخرى لدى سام إنه دومًا يتحدث بالخير، وكان يخفي الأخبار السيئة عنّا... عندما يخسر فريقي المفضل "مانشستر يونايتد" لا يخبرني بهذا، يخبرني بهذا عندما يكون هناك رهان بيننا فقط؛ حتى أعطيه مثلجات الشوكلاتة بالنعناع المفضلة لديه، دوما ما يتناول غرفتين.. غرفتـــان.. لقد مات في 27 نوفمبر 2007، كان عمره 13 عامًا و9 أشهر و4 أيام. لم يكن "سمير" ابني فحسب، بل كان صديقًا مقربًا إليّ. في الواقع لقد كان صديقي العزيز الوحيد.. صديقي العزيز الوحيد. "بسم الله الرحمن الرحيم" أنا سعيد لأنه في الجنة. ماما "جيني" .. أما.. أنا لا أعرف ماذا أقول، لا أريد قول المزيد. هنا، شعرت بصديقاي يتلفظان الصعداء، ووجنتان د.رفيق تشتعلان إحمرارًا. ثم انفصلت تمامًا عن الحضور حينما سجن رضوان/المسلم ... إنه مكان غريب يا مانديرا، لا وجود لنافذة فيه أو باب للحمام، لكن ثمة قفل على المرحاض. عيناي تحرقانني وأشعر بالنعاس. أحيانًا يكون الجو شديد الحرارة وأحيانًا أخرى بردًا قارسًا. أخبرتهم أنه بإمكاني إصلاح مكيف الهواء ولكنهم لم يقتنعوا. لم يخبروني بمواعيد الصلاة، وكلما شعرت بالخوف إنحنيت أمام الرب. لماذا تريد مقابلة الرئيس؟ لماذا تعرف الكثير عن الرئيس؟ لماذا كنت تجمع معلومات عن الرئيس؟ هل تعرف هؤلاء الأشخاص؟ (حسان)، (محمود)، (عمر).. ربما سبب غضبهم مني هو أنني لم أعطهم معلومات عن القاعدة، ولكني لا أعرف أيًا منهم. كان عليّ أن أقرأ عن القاعدة يا مانديرا. ثم توالت الأحداث في إنسيابية وشوق أخاذ حتى وصلنا إلى قمة حب الآخرون وإنقاذهم في مشهد الأمطار الغزيرة والأعاصير بجورجيا: مانديرا، سوف يتأجل موضوع مقابلة الرئيس لبعض الوقت، لقد أتيت إلى ويليمينا بولاية جورجيا.. الأم جيني وجويل الصغير ذو الشعر المضحك في ورطة.. المياه غمرت كل شيء هنا يا مانديرا.. ولا أعتقد أنه باستطاعة ماما جيني السباحة؛ إنها بدينة بعض الشيء. رضوان.. ماما إنه رضوان. ماذا تفعل هنا؟ .. ماما جيني أنا سعيد جدًا لأنك وجويل ذو الشعر المضحك لستما ميتين.. أنا سعيد. شكرًا على مجيئك يا رضوان، ولكن لا يجب أن تكون هنا. أنا سعيد لأنني هنا. كلا يجب أن تذهب، إصغِ إليّ، لا يجب أن تكون هنا... لا يمكنك إصلاح هذا، عليك أن تذهب. (الكنيسة تتهدم فوق رؤوس المحتمين بها.. وصراخ الأطفال يعلو مع يأس ماما جيني وهلع رضوان) مانديرا، الجميع هنا يشعر بالعجز واليأس.. أتمنى لو كان بمقدوري إنقاذهم بأخذهم بعيدًا من هنا.. لكن ليست لدى طاقة كافية لفعل ذلك. ماما جيني كانت على حق، لا يمكنني إصلاح هذا الأمر... أنا الآن في إنتظار رحمة الله. انتهى العرض بمقابلة الرئيس أوباما/ كريستوفر دنكان وكأنه "الأمل المرتقب". إنتهى العرض بتصفيق حاد لمدة 12 دقيقة متواصلة، ووقف الحضور تحية للفيلم وللناقد في بهاء.. اعتلت نظرة الدهشة والانبهار بعيني د.رفيق كطفل صغير يرى للمرة الأولى الطيور تحلق في السماء. ضحكنا كثيرًا وبكينا أكثر... السيناريو كُتب بدقة وحيوية رائعة، التصوير آية في الروعة والجمال.. الاخراج (كاران جوهر)... هندسة الصوت... إلخ. دراما إنسانية واقعية موجعة، قدمها لنا فريق عمل هندي متكامل، لا أعلم منهم سوى الفنان الفذّ "شاروخان" والفنانة الجادة والمتألقة دائمًا "كاجول".. فتحية صادقة محبة لكل عمل فني يستفذ العقل ويحرك الشعور. رسالة الفيلم واضحة من أول مشهد فيه، حينما يخضع "رضوان خان" للتفتيش المهين للكرامة الإنسانية بساحة المطار الأمريكي، واستهزاء ضابط التفتيش "جون مارشال" به حينما يطلب منه أن يبلغ الرئيس الأمريكي تحياته. العنف والتمييز العنصري والاضطهاد الديني –بل حتى في فعلهم للخير يميزون بين بني البشر، فنجد في مشهد سريع ضئيل يتم عقد حملة لجمع تبرعات لقارة أفريقيا تحت عنوان: "واجب المسيحية" حملة جمع التبرعات لقارة أفريقيا، ضيف الشرف الرئيس جورج بوش. ليفاجيء رضوان/المسلم بأن الحدث للمسيحية فقط، فيترك المال من أجل غير المسيحيين في أفريقيا- انتشار راية "الإسلام هو الإرهاب" التي يلوح بها تيار المحافظين الجدد بالولايات المتحدة الأمريكية.. تكثيف مذهل للأحداث السياسية والاجتماعية بالعالم أجمع في مشهد تسبيح رضوان/ المسلم بأحجار كريمة في يده قائلًا: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم أو قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد.. وارتعاد المحيطين به (الأجانب/ الآخر) وانتباه الضابط –جون مارشال- له وسحبه للتفتيش المنفرد. الرسالة واضحة في كون العلاج يتمثل في انتشار الحب لا الكراهية، في افشاء السلام لا الحرب..كذلك في الوعي السليم بالمعتقدات والأديان (يتجلى هذا الأمر في مشهد حواري طويل بمسجد في إحدى الولايات كالتالي: أنصتوا أيها الأخوة.. سنغير الموضوع، لقد قلت من قبل أنه ليست لدى مشكلة مع النصارى أو اليهود.. لا أواجه أي مشكلة مع أخواني الهندوس. أغلب المرضى الذين أعالجهم في مستشفى "سانت بينديكس" هم من هذه الديانات، أشعر بالغيظ عندما لا يعامل المسلمون بالمثل، أشعر بالغيظ عندما يقتل الصهاينة اليهود إخواننا في فلسطين بكل وحشية، أو في الهند عندما يستحل الهندوس المتوحشون دماء نسائنا وأطفالنا... أشعر بالغيظ بسبب هذا. ألا تشعرون بالغيظ كذلك؟ أجيبوني؟ ألا تشعرون بالغيظ؟... أجل، أجل. إذًا دعونا نفعل شيئًا حيال ذلك. أنا الطبيب "فيصل رحمن" أتعهد بأنني مستعد. هل أنتم مستعدون؟ أجل، نحن مستعدون. سبحان الله.. سبحان الله، لقد طلب الله من سيدنا "إبراهيم" عليه السلام أن يضحي بابنه، ومن دون أن يسأل استعد للضحية بابنه، إنه لفرض علينا في وقتنا الحالي أن نضحي بدمائنا في سبيل الاسلام... إنها مشيئة الله.. إنها مشيئة الاسلام... (يحتد قول الطبيب وانفعال رضوان/المسلم)..إنها مشيئة الاسلام.. لا، لا، لا أنت كاذب، أنت كاذب. تمهلوا لحظة، لماذا يا أخي؟ ألم يطلب الله التضحية بسيدنا "إسماعيل"؟. كــلا.. أخبرتني أمي أن سيدنا "إبراهيم" عليه السلام كان يَعلم أن الله رحيم، ولهذا لم يتردد في تنفيذ أمر الله. وهناك شخص غريب حاول تضليله، لكنه لم يستمع لكلام ذلك الغريب؛ لأنه على يقين أن الله لن يضحي بابنه، ولم تتم التضحية بسيدنا "إسماعيل" عليه السلام. وأخبرتي أمي أن سبيل الله هي سبيل الحب. أنت كــاذب.. أنت تكذب أيها الطبيب. الطبيب فيصل رحمن كاذب (بدأ الحشد في الانقسام).. المغزى من القصة واضح، معه حق فيما قاله، سبيل الله هى سبيل الرحمة... الطبيب "فيصل رحمن" كاذب –يردد رضوان- إنه مثل ذلك الغريب. أنا لست كاذبًا.. بلى أنت كاذب. لكن ذلك الغريب الذى حاول تضليل سيدنا إبراهيم هل كان كافرًا؟. هذا ليس مهمًا. لكن أخبرنا من هو ذلك الغريب؟ أخي، أخبرنا من هو ذلك الغريب؟.. إنه الشيــطان.. الشيطان.) رحلنا من القاعة ونحن نسرد انبهارنا بالفيلم وايقاعه السريع الغير معهود بالفن السابع الهندي... وبرق أمامي صورة فتيات بعمر الزهور، كانت تجلسن خلفنا مباشرة، تنادين بعضهن البعض بـ نسمة خان، دعاء كابور، رشا روشان، رانيا علي خان، رحاب باتشن، راندا زيتا، أميرة مواخرجي.. بضحكات عالية ومرح قبيل عرض الفيلم.

الجمعة، 24 ديسمبر 2010

ظــلال آدم والمنيـرفا يتنسمـا الضـوء

بقلم: رشا ماهر البدري

توقفت لأفكر في حياتي، فوجدت أنني أدرس في المجال الذي لا أحبه، وسأتخرج بشهادة في مجال لن أعمل به مطلقًا, فقررت ترك الدراسة رغم اعتراضات من حولي -ممن يرون أن المستقبل هو شهادة علي الحائط أيًا كانت, وأنها وضع إجتماعي مطلوب تحقيقه- وتذكرت أنى كنت أهوى الرسم منذ صغري، وقد تعلمت الرسم من أخي الأكبر قبل أن أتعلم القراءة والكتابة، ففكرت في الانضمام لكلية الفنون الجميلة، ثم سرعان ما غلبتني طبيعتي التي تعشق الحرية والفكر الحر، فدرست الفن التشكيلي ذاتيًا... أخذت أشتري الكتب المتخصصة وأطلع عليها بنهمٍ. أقرأ في بدايات وتاريخ الفن التشكيلي وأسسه، فذبت بين اللوحات وعبير الفنانين العظماء. كما ساعدني الانترنت كثيرًا في الوصول إلى التفاصيل الزاخمة والتطورات المذهلة."

حوار دار بيني وشاب صادق ذو رؤية حكيمة وحس مرهف، يخلق بريشته عالم متجدد الرسالات، ويُنهض الأفكار من مرقدها.. من رمادها ليجسدها نارًا تطاير للسماء. شاب تتماس رؤياه مع أنسي الحاج في ديوان الوليمة حينما قال: "بين الحطام فتحت عيني، فأبصرت نورًا كوهج النَمِر، وبَدَل أن أستسلم للرقاد تحت الحجارة، نهضت، ورحتُ ألمع على رؤوس الأعشاب...". إنه الفنان التشكيلي، مصمم الجرافيكس، المصري: "عبدالرحمن الصواف". أخرج/ أنتج لنا العديد من اللوحات تتسم في مجملها بالحوار/الصراع بين: الخير والشر، الغموض والوضوح، القوة/الوحشية والضعف/ الإئتناس، الحياة والموت، السماء والأرض، الواقع والأسطورة...

فنجد في لوحة "الطريق إلى الجنة": تدرج الألوان بين البني والأخضر والأصفر، لرجل يجلس على مقعد مرتخيًا ساهبًا يعلوه شبح الموت متشحًا بالسواد.. وكأن روحه صعدت من جسده توًا، على حين غرة منه.. وأسفل يده تفاحة مقضومة قضمة على هيئة قلب، رمزًا لإغتوائه وفتنته بالدنيا، فجاءت روحه/ظله سوداء تصعد سلمها في تردد نحو العلا... فالطريق إلى الجنة محفوف بالمخاطر.


وفي لوحته "بين الحياة والموت 30X 40سم": نجد إنسان وديع حزين نصفه الأدنى شجرة... لحاء شجرة تمتد جذورها في الأرض لينشب منها ميلاد يد جديدة، ونصفه الأعلى جسده الذي يحمل قلبه في يده اليسرى ويقف فوقه صقر الجير-ذلك الطائر الجميل الشبيه بالحمامة في وداعتها، أندر وأجرأ وأشرش أنواع الصقور- وتوضع ساعة مكان القلب بصدره، ويده اليمنى تتحول ببطىء لفرع شجرة تفاح، يعلوه صقر الجير أيضًا!. بالإضافة لباب مغلق لونه لون اللحاء، مثبت بالأرض على مرمى ليس ببعيد عن الإنسان الشجرة.. مثبت على نحو مائل ليتصل بالسحب، وكأنه نافذة الوصول. فبين الحياة والموت "الزمن" المحسوب علينا.


أما لوحة "قناع لألف شبح 70X 100سم"، فتوحي لنا بالظلال الآدمية اللامنتهية.. لوحة بها قناع موحش دون روح، لمسخ ذو شعر كثيف وملامح ضخمة، تتمركز جبهته ريشة ما تأخذ لونه الأحمر القاني.. قناع يجلس في قلب كرسي ضئيل الحجم، مصنوع من خشب ما يُشبه العظام، وينعكس ظلهما على نحو مختلف تمامًا لما نراه في الأصل! فنرى إنحناءات الوجه والريشة على هيئة تفاحة... فماذا يقول لنا الصواف/ آدم/ الإنسان؟؟ إنه الإغواء الموحش على كرسي الاعتراف تعلوه ريشة المسؤولية.


ولوحته "وجهان لكل روح 70X 100سم": رجل وجهه باسم يشبه قناع بطل الفيلم الأمريكي Vendetta أو "الثأر"، يرتدي بنطال أخضر، وقميص أصفر، وجاكت أسود، وبيبيون أحمر عريض، وقبعة سوداء، داخل إطار مفرغ يتخذ رسم المُعيّن... ملابس وملامح تجعله أشبه بالبلياتشو، ملامح لرجل يخفى وراءه -في يده- قناع آخر لسيدة مفزوعة، مع إختلاف إتجاه موضع قدماه. وكأن الصواف يريد أن يعبر لنا عن إختلاف الأوجه للروح الواحدة مع نسب متساوية/ متطابقة من الأحداث. الإطار يرمز لنافذة الرؤية المتساوية الأضلع والمشتركة القاعدة، فكلانا آدم وحواء، إيزيس وأوزوريس... نواجه المصير ذاته، بل والفرد ذاته يحمل سمات النوعين "الذكر والأنثي".


ولوحة "النبـي 70X 100سم"، واضحة البيان من الوهلة الأولى... جسد لإنسان/ نبي ممزق يتدفق دمه من جراء رمح كبير يرشق في ظهره لينفد في معدته تجاه السماء الملبدة بالغيوم. جسد معلق بين السماء والأرض يقع من يديه كتابه.. رسالته المكلف بها.. رسالته المهترئة والمشعة نورًا. جسد يُدق بجبهته طوق من شوك زيادة في إيلامه وتأكيدًا لمعاناته، وكأنه المسيح عيسى بن مريم.
تبدأ اللوحة بنهر يتكون من ذرات الدماء المتدفقة من جسد النبي المرتفع للسماء، لتنتهي بتقشع الغيوم شيئًا فشيئًا وظهور نور أقصى اليمين يتوازى مع نور كتابه المفتوح... غيوم رمادية شديدة الكثافة تمتد رأسيًا وأفقيًا لتوضح صعوبة وقسوة الطريق، في أسلوب منمق يراعي التفاصيل الدقيقة وقسمات الألم.


وفي لوحة "شِبه رجل 70x 100سم"، نجد نوع آخر من البشر، أو لنقل كائن ذو طبيعة مزدوجة.. قمة الخير وقمة الشر –أبراكسس Abraxas- رجل مفتول العضلات رأسه رأس ديك.. تذكرني بقصيدة في حارتنا ديك لنزار قباني: "في حارتنا ديك، يصرخ عند الفجر، كشمشون الجبار، يطلق لحيته الحمرا، ويقمعنا ليلًا ونهارًا، يخطب فينا.. ينشد فينا... يزني فينا؛ فهو الواحد.. وهو الخالد، وهو المقتدر الجبار...". رؤية تمزج بين القدرات الخارقة (الشيطانية/ التعاويذ/ الجبروت/ الإله المصري القديم...) والإنسان بفَصّيه (الخير والشر/ الروح والجسد... إلخ).

إن الهبة تظهر بمفرداتها في شتى لوحاته فتؤكد جمال موهبته، المعبر عنها بحركة تشكيلية جديدة تتواكب مع تطور العصر. ألا وهى الرسم الرقمي Digital Painting، ذلك الفن الذي لم يأخذ حظه من المعرفة والانتشار بمصر حتى الآن، والذي قد يُعرف على نحو خاطيء بفن التصميم الرقمي Digital Design Art. هذا بالإضافة لصقل موهبته بدراسة فن الجرافيك باشتراكه في دورات عالمية في التصميم قدمها "كولين سميث" الحائز على جائزة أفضل مصمم فوتوشوب من شركة أدوبي المصنعة للبرنامج نفسه. ومن ثم استطاع إختزال موهبته –بداية- في تصميم أغلفة الكتب على غرار الفنانين الذين أثروا حياتنا برسوماتهم على أغلفة المجلات والكتب مثل محي الدين اللباد وجمال قطب.. وغيرهم ممن تأثر بهم الصواف فحلم بصنع بصمته وعلامته المميزة في هذا الفن الجميل.

لقد انغمس الإنسان في لعبة الألوان إلى حدِّ أن الديانات القديمة اعتبرت اللون رمزًا مقدسًا، حتى أصبح الأبيض رمزًا للعفَّة والطهر والنقاء، والأسود للحزن وللموت، البُني للغموض والمثابرة والأرض، والأصفر للخبث والحسد والاحتضار، والأحمر للعنف، والأزرق للوفاء وحب الطبيعة، والأخضر للرجاء والأمل.. إلخ، وقد تأثر الصواف كثيرًا بهذا التصنيف في مجمل أعماله مع غلبة الأحمر والأسود والأخضر والأصفر!
والمنيرفا/ أثينا/ إيزيس هي ربة الحكمة والقوة، وربة الحرب والملاحة، حامية المدينة... تتخذ دورها المقدس –على نحو غامض- بمآزرة آدم أبو البشرية، كحواء في ثوب جديد بين الأسطورة والواقع في ظلال عالم عبد الرحمن الصواف الذي يتسم بالتنوع والثراء للرؤية الواحدة.

هكذا يكون التعلم ... هكذا تكون العزيمة التي تفرض علينا التوجه السليم نحو رؤية الحق والخير والجمال، والتي سجلت لنا روح فنية متميزة سنرى معرضها الرقمي في القريب العاجل.


****

الخميس، 29 يوليو 2010

مسافر فوق بحر من الضباب... فريدريش


مسافر فوق بحر من ضباب للفنان الألماني كاسبار ديفيد فريدريش 1774/ 1840
Caspar David
Friedrich (September 5, 1774 – May 7, 1840

يقال أحيانًا أنه ما من لوحة في تاريخ الفنّ كلّه استطاعت أن تحظى باهتمام الفلاسفة والمؤرّخين وأدباء الحداثة بمثل ما حظيت به هذه اللوحة.
فالرسّام استطاع أن يختزل مشاعر ومزاج عصر بأكمله من خلال وقفة الرجل ونظرته المتأمّلة بعمق.
صحيح أن العالم مفتوح أمامه إذ يقف في ذلك المكان المرتفع الذي يُفترض انه يرى منه كل شيء أمامه وتحته. ومع ذلك فالعالم ما يزال بالنسبة له لغزا يلفّه الضباب ويستعصي على الفهم.
ومعظم المشهد محجوب عن أنظارنا. والمسافر هنا مكشوف جزئيا فقط. حيث أننا لا نراه سوى من الخلف. وليس هناك ما يدلّ على حقيقة تعابيره سوى طريقته في الوقوف التي ربّما تكون المؤشّر الوحيد على مزاجه.
يقول بعض النقاد إن الشخص الواقف أمامنا ليس سوى الفنان نفسه. لكنّ كلّ ما نراه هو رجل غارق في لقاء تأمّلي مع الطبيعة.
والطبيعة هنا لا تكشف سوى عن جزء يسير منها. ورحلة المسافر إلى هذا المكان توفّر له أفقا أوضح وأكثر رحابة ممّا هو متوفّر أسفل.
ومع ذلك، ليس هناك وضوح تام، إذ يتعذّر رؤية ما وراء الضّباب وإن كان بالإمكان محاولة التنبّؤ بما يخفيه.
ورغم مرور كلّ هذه السنوات على ظهور اللوحة، فإنها ما تزال تحتفظ بهالتها وجاذبيّتها وصِلَتها الوثيقة بروح ومزاج عصر الحداثة وما بعدها. وقد أصبحت ترمز إلى غربة الإنسان المعاصر وإلى المستقبل المجهول ومعاناة الإنسان الذي يجد نفسه تائها وهو يبحث عن هدف للوجود أو معنى للحياة.
ولد كاسبار فريدريش في العام 1798 م. وطوال حياته كان شخصا تقيّا متأمّلا مع شيء من التشاؤم والسوداوية. توفيت أمّه وهو في السابعة من عمره، وبعد ستّ سنوات توفي شقيقه بينما كان يحاول إنقاذ كاسبار من الغرق. هذا الحادث ترك أثرا عميقا على شخصية الفنان، فظلّ طوال حياته واقعا تحت هاجس الموت والطبيعة والخالق. وفي بقعة منعزلة من الطبيعة الجميلة وجد كاسبار بعض العزاء والإلهام. كان يسافر إلى ساحل البلطيق ويزور منطقة الجبال هناك. ويبدو أن تلك المناظر الجليلة وفّرت له موضوعات وأفكارا غنيّة للرسم. وخلال أسفاره، كان فريديريش يرسم لوحات ذات موتيفات محدّدة مثل أقواس قزح وأشجار السنديان الضخمة التي كان يراها كثيرا في تلك البقعة. ولأنه وُهب القدرة على ملاحظة الطبيعة وتأمّلها، فقد كان ميّالا للتعبير عنها بعيني مؤمن تقيّ، ما أنتج لوحات ذات قوّة تعبيرية وروحية هائلة.
ويقال إن أعظم انجازات فريدريش هو قدرته على تحويل مناظر الطبيعة إلى كشوفات سايكولوجية وروحية وتعبير مبدع عن الذات. ولوحاته هي من ذلك النوع الذي يُشعِر الإنسان بالتوق الشديد واستدعاء التطلعات والأحلام البعيدة. وقد رسم هذه اللوحة وكأنه يدعو المتلقي إلى النظر للعالم من خلال عدسة الفنان وإدراكه الخاص.
كان فريدريش مفتونا بفكرة الالتقاء بالطبيعة في حال من التأمّل والعزلة. وكثيرا ما كان يرسم شخوص لوحاته من الخلف، وهو ما أصبح ملمحا مهمّا من ملامح التجربة الرومانتيكية في نظرتها إلى الطبيعة والفنّ. في اللوحة يركّز الفنان على عناصر التباين. فالطبيعة هنا لا تكشف عن أيّ جمال ظاهري ملفت، بل تعمّد الرسّام التأكيد على رؤيته الخاصة لوظيفة الفن، وهي إبراز الطريقة التي تجعلنا من خلالها الطبيعة نتوق لشيء لا يمكن بلوغه، قد يكون الجنّة الكامنة في طفولتنا حسب التفسير الفرويدي.
وقد عُرف عن فريدريش انه كان مهوسًا بفكرة الموت وما بعد الحياة. وهو في جميع أعماله تقريبا يؤكّد على أن الموت لا ينتظرنا في المقبرة فقط، بل يترصّدنا خلف السحب الداكنة أو أمام قارب اختفى نصفه في السديم أو وراء المدخل المؤدّي إلى أعماق الغابة.
بحلول منتصف القرن التاسع عشر، كانت لوحات فريدريش قد نُسيت تماما تقريبا، وظلّت مجهولة حتى بداية القرن العشرين عندما أعاد الرسّامون الرمزيون اكتشافها ووجدوا أنها زاخرة بالرؤى والمعاني العميقة. ومن أشهر من تأثروا به السويسري ارنولد باكلين والنرويجي يوهان دال. ومن المؤسف أن بعض أشهر لوحاته تعرّضت للتدمير والتلف عندما استهدفت طائرات الحلفاء بعض المتاحف في درسدن وميونيخ خلال الحرب العالمية الثانية.
الجدير بالذكر أن لوحات كاسبار فريدريش وموسيقى بيتهوفن أسهمت معا وبشكل كبير في التعبير العميق عن الرومانتيكية الألمانية.

الفــردوس.. جيفري بيدريك


ولد الفنان الأمريكي المعاصر جيفري بيدريك في العام 1960 ولقيت موهبته الفنية اعترافًا مبكرًا، أي منذ حوالي منتصف السبعينات. انتج الفنان لوحات فنيه كثيرة تعالج مواضيع متعددة ومتنوعة، كما أقام معارض عديدة داخل الولايات المتحدة وخارجها.وبيدريك مصنف ضمن قائمة اشهر ألفي فنان ومصمم في القرن العشرين.لوحته "الفردوس" هي اشهر أعماله الفنية وأكثرها رواجا وتداولا، وهو في اللوحة يجمع بين تأثيرين مختلفين: الأول يتمثل في أسلوب فنان الفانتازيا الكبير ماكسفيلد باريش، والثاني أسلوب زميله السوريالي نك هايد.فكرة هذه اللوحة استمدها الفنان من الأسطورة الإغريقية القديمة عن حدائق الفردوس Elysian Fields التي يذكر هوميروس أن بها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت من صنوف المتع والملذات.وطبقا للأساطير اليونانية يقع الفردوس في أقصى الطرف الغربي من الأرض على ضفاف نهر اوقيانوس.في تلك البقعة التي يذهب إليها الصالحون والأتقياء بعد موتهم لا عواصف ولا ثلج ولا حرارة ولا برد، بل هواء منعش معتدل تحمله نسائم المحيط، وأنهار من حليب وعسل وبساتين من أعناب وفاكهة من كل صنف ولون.
والفردوس هو مستقر الأرواح وارض الأبطال والشعراء والكهان الذين لا يموتون بل يحيون حياة أبدية.
هنا عاش اخيل مستمتعا بالصيد والطعام والشراب الوفير، وفي حدائق الفردوس كان يتجول هرقل بصحبة غيره من الأبطال والشعراء مستمتعين بالمروج الخضراء والفاكهة اللذيذة والهواء المنعش الواهب للحياة وأشعة الشمس الأرجوانية وأنغام الموسيقى التي تتردد أصداؤها في سماء الفردوس.
من الواضح أن حدائق الفردوس تشبه ما رسخ في أذهان معظم الناس عن الجنة، فلا يدخلها سوى كل تقي صالح، أما الأشرار الفاسدون فيذهبون إلى "تارتاروس" حيث يتعرضون هناك لعذاب النار الأبدية
.في اللوحة المتوهجة بالأزرق وظلاله، تبدو الجنة معلنة أمجاد الإله، والسماوات لاهجة بجمال صنع يد الخالق، وكأن العالم الروحي يشبه في بهائه وتساميه العالم الطبيعي، حيث الجبال والمروج والتلال والأنهار والحدائق والسهول والبحيرات .والفارق الوحيد بين العالم الروحي والطبيعي هو أن عناصر العالم الأول ليست ثابتة أو استاتيكية وإنما محكومة بخصائص عالم الروح.تحدث عن حدائق الفردوس الكثير من الفلاسفة والكتاب أمثال هوميروس وفرجيل ودانتي وفريدريش شيللر وأطلق الفرنسيون هذا الاسم على اكبر شوارع عاصمتهم: الشانزيليزيه Champs-Elysées
لوحة الفردوس لجيفري بيدريك حققت رواجًا كبيرًا في فترة وجيزة، بسبب فرادة موضوعها وجمال تنسيق العناصر والألوان فيها وعلى نحو يبعث في النفس الراحة والسكينة.


ابن الإنسان.. ماغريت


ولد رينيه فرانسوا ماغريت عام 1898درس الرسم في بروكسل وسيطر على فنه اسلوب قريب جدا من السريالية. في لوحاته يحاول رينيه ماغريت ان يفتح للناظر نافذة يطل من خلالها على الجانب المظلم من العقل. يقال ان والدة الرسام كانت امرأة غير سعيدة في حياتها وقد انتحرت ذات يوم بعد ان القت بنفسها في مياه النهر. وعندما انتشلت جثتها بعد ايام كان جسدها عاريا ووجها مغطى بطرف فستانها، وقد رأى ماغريت جثة والدتهعند استعادتها من الماء، ولم تبرح تلك الصورة المزعجة ذاكرته حتى وفاته. وبعد مرور سنوات على الحادثة رسم الفنان مجموعة من اللوحات التي يظهر فيها اشخاص غطيت وجوههم ورؤوسهم بقطع من القماش.من اكثر جمل ماغريت ترددا "الكلمات بلا معنى، اننا من نخلع عليها المعاني التي نريد وبطريقة متعسفة في اغلب الاحيان. أهمها وأولوها لوحتنا هذه "ابن الانسان The Son of Man, 1964".
"جدارًا، تفاحة خضراء في فم رجلًا مجهولًا تعليه قبعة تدثر بقية ملامحه". يوضح لنا فيها ماغريت أن كل شيء نراه يحوى شيئًا غامضًا في الما وراء، والإنسان يتوق دومًا لرؤية ما يختفي فيما وراء ما يراه.

تــداعــي الذاكــرة.. دالــي


سلفادور دالي (11 مايو 1904 - 23 يناير 1989) (Salvador Dalí) كان فنانًا إسبانيًا كاتالانيًا. يعد دالي من أشهر رسامي القرن العشرين. كرسام بارع، يعرف أكثر لأعماله السريالية - (بالفرنسية: Surréalisme‏) أي "فوق الواقع" وهي مذهب فرنسي حديث في الفن والأدب يهدف إلى التعبير عن العقل الباطن بصورة يعوزها النظام والمنطق وحسب مُنظهرها أندريه بريتون (بالفرنسية: André Breton‏) فهي آلية أو تلقائية نفسية خالصة، من خلالها يمكن التعبير عن واقع اشتغال الفكر إما شفويا أو كتابيا أو بأي طريقة أخرى، وهي "فوق جميع الحركات الثورية". إذن فالأمر يتعلق حقيقة بقواعد إملائية للفكر، مركبة بعيدة كل البعد عن اي تحكم خارجي أو مراقبة تمارس من طرف العقل و خارجة عن نطاق اي انشغال جمالي أو أخلاقي و قد اعتمد السرياليون في رسوماتهم على الأشياء الواقعية تستخدم كرموز للتعبير عن أحلامهم و الارتقاء بالأشكال الطبيعية إلى ما فوق الواقع المرئي. و قد لقيت السريالية رواجا كبيرا بلغ ذروته بين عامي 1924-1929 و كان آخر معارضهم في باريس عام 1947. ومن أهم أقطابها الفنان الأسباني سلفادور دالي (1904-1989). ومن بعض أعماله الفنية "الخلوة"، "تداعي الذاكرة"، "الآثار"، "انفجار الزمن"، و"البناء".- المميّزة بصورها الغريبة الشبيهة بالأحلام.

مهاراته التصويرية تكون منسوبة في أغلب الأحيان إلى تأثير سادة عصر النهضة، ووجد ذوقه الخاص حوالي عام 1929 وتأثر بالنظريات الفيزيائية في عصره حيث نجد الساعات المنصهرة المرتخية علامة على نسبية الزمن، والزرافات المشتعلة. أكمل عمله الأشهر إصرار الذاكرة في عام 1931. بالإضافة إلى الرسم تضمّنت ذخيرته الفنية الأفلام، والنحت، واحتلت زوجته جالا مكانا كبيرا في حياته وأدخلها كعنصر أساسي في كثير من لوحاته. كما عمل في فيلم الرسوم المتحركة القصير الفائز بجائزة أكاديمية وهو دستينو (Destino)، والذي فيه تعاون مع والت ديزني، وتم إصداره في 2003.

وهنا في صورة تداعي الذاكرة/ تحلل إصرار الذاكرة يقوم دالي باحالة أجسام الساعات الى مواد مطّاطة وهلاميّة الشكل، وأخذ يثنيها يمينًا ويسارًا.... وقد طوّر هذا الأسلوب فى فترة لاحقة ليجعل الرموز تختلط بالسحب أو بأية مضامين أخرى تمامًا-كما يتضح أمامنا- كنوع من تحطيم التحكم الزمني والسخط عليه.

الأربعاء، 28 يوليو 2010

العشاء الأخير- دافنشي


حسب الاناجيل المسيحية هو العشاء الأخير ليسوع المسيح مع رسله الاثنا عشر وتلاميذه قبل اختفاءه. اتخذ العديد من الرسامين العالميين العشاء الأخير كموضوع للوحاتهم لعل أهمها هي لوحة الفنان ليوناردو دا فينشي 1498م
علي عكس ما يعتقد الكثيرون فإن الرسام لم يستعمل تقنية الفريسكو - هو أحد أشكال الفن التي يتم من خلالها استخدام الجص كمادة لتمليط أو تجصيص سقف أو جدران بشكل فني. كلمة فريسكو جاءت من الكلمة الإيطالية affresco والتي تعني غض أو طري- في هذة اللوحة بل لجأ إلى التلوين المباشر على الحائط وذلك لكي يحصل علي حرية أكبر في تنويع الألوان وأدى ذلك إلى سرعة تلف اللوحة واحتياجها إلى عمليات ترميم متعددة كان أولها بعد عشرين عاما فقط من إنهائها.
أثارت هذه اللوحة الكثير من التساؤلات عن شخصية ليوناردو دا فينشي حيث تحتوي العديد من العناصر التي لا تنتمي إلى المفاهيم المسيحية التقليدية التي رسمت اللوحة أساسا للتعبير عنها. يعتقد البعض أن هذة اللوحة ضمن العديد من أعمال دا فينشي تحتوي على إشارات خاصة إلى عقيدة سرية مخالفة للعقيدة المسيحية الكاثوليكية التي كانت ذات سلطة مطلقة في ذلك العصر.
أثيرت أسئلة كثيرة حول شخصية يوحنا في لوحة العشاء الأخير للفنان ليوناردو دا فينشي والذي كان موقعه فيها إلى جانب المسيح حيث قدمته الرواية على أنه مريم المجدلية، ولكن بكل الأحوال جنح معظم الفنانين المعاصرين لدا فينشي بإيحاء من روايات التقليد الكنسي على تصوير يوحنا في لوحاتهم على أنه شاب يافع جدا لم تنبت لحيته بعد، وهو ذو ملامح أنثوية تماما كالعادة التي درجوا عليها برسم شبان إيطاليا في ذلك الوقت، وتجدر الملاحظة إلى وجود بعض اللوحات لهؤلاء الرسامين تظهر الرسل الآخرين أيضا بذات المظهر الإنثوي.
وجدير بالذكر أن هذه اللوحة لعبت دورًا أساسيًا في الرواية التى طرحت مؤخرًا لدان بروان الأمريكي شيفرة دافينشي رواية تشويق وغموض بوليسية خيالية نشرت عام 2003.
حققت الرواية مبيعات كبيرة تصل إلى 60.5 مليون نسخة (حتى آذار/مارس 2006) وصنفت على رأس قائمة الروايات الأكثر مبيعاً في قائمة صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية. تم ترجمة الرواية إلى 44 لغة حتى الآن.
تدور أحداثها في حوالي 600 صفحة في كل من فرنسا وبريطانيا. تبدأ بالتحديد من متحف اللوفر الشهير عندما يستدعي عالم أمريكي يدعى الدكتور روبرت لانغدون أستاذ علم الرموز الدينية في جامعة هارفارد على أثر جريمة قتل في متحف اللوفر لأحد القيمين على المتحف وسط ظروف غامضة، ذلك أثناء تواجده في باريس لإلقاء محاضرة ضمن مجاله العلمي. يكتشف لانغدون ألغاز تدل على وجود منظمة سرية مقدسة امتد عمرها إلى مئات السنين وكان من أحد أعضائها البارزين العالم مكتشف الجاذبية اسحاق نيوتن والعالم الرسام ليوناردو دا فينشي. تدور أغلب أحداث الرواية حول اختراعات وأعمال دافنتشي الفنية. اكتشف لانغدون والفرنسية الحسناء صوفي نوفو خبيرة فك الشفرات -والتي يتضح لاحقا أن لها دور كبير في الرواية- سلسلة من الألغاز الشيقة والمثيرة والتي تستدعى مراجعة التاريخ لفك ألغازه وسط مطارده شرسة من أعضاء منظمة كاثوليكية تسعى للحصول على السر.
تأتي الإثارة في صدور هذه الرواية إلى حد منعها من الدخول إلى عدة دول منها الفاتيكان والذي اعترض اعتراضاً شديداً على محتويات الرواية، ذلك لأنها تتناول علاقة المسيح بـمريم المجدلية بطريقة منافية لما هو مذكور بالكتب المقدسة. مُنعت الرواية أيضا من دخول بعض الدول الأوربية والدول العربية مثل لبنان والأردن.